
تستمر معاناة اللاجئين والنازحين السودانيين مع استمرار النزاع المسلح في البلاد. وسواء كانوا نازحين داخل السودان أو في الدول المجاورة، يلاحق السودانيين شبح المجاعة والأمراض الوبائية، على الرغم من النداءات التي تطلقها المنظمات الإنسانية لتوفير الدعم اللازم لحماية السودانيين.
نشرت منظمة “مشاد”، وهي منظمة غير حكومية تعمل في السودان والدول المجاورة، بياناً كشفت فيه عن وقوع وفيات وإصابات بفيروس الكبد الوبائي بين اللاجئين السودانيين المتواجدين في شرق تشاد.
وسلطت المنظمة الضوء على الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللاجئون السودانيون في مخيمات شرق تشاد، لا سيما في مخيم “طلوم” الذي يشهد “تفشي خطير للأمراض الوبائية والمعدية، التي أدت لوفاة أربعة لاجئين، بينما تعرض نحو 20 آخرين للإصابة بمرض الكبد الوبائي”، بالإضافة إلى تسجيل حالات إجهاض لنساء حوامل.
وأشارت المنظمة إلى الصعوبات التي يواجهها اللاجئون للحصول على العلاج والوصول إلى الرعاية الصحية، محذرة من احتمال تدهور الأوضاع الإنسانية أكثر فأكثر.
ووجهت “مشاد” نداءات عاجلة للمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية، بضرورة “التحرك الفوري لاحتواء الأوضاع قبل تفاقمها للأسوأ، وإجراء تدخلات في المجال الصحي، مع الدعوة لتضافر كافة الجهود وتكاملها من أجل إنقاذ حياة اللاجئين”.
وبحسب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يتوافد السودانيون إلى التشاد بـ”متوسط 600 لاجئ يوميا، حتى في منتصف موسم الأمطار”، وفي موقع “أدري” الذي تم إنشاؤه بشكل عشوائي ودون تخطيط مسبق، يتواجد أكثر من 200 ألف لاجئ، 90% منهم نساء وأطفال.
ومع دخول الصراع السوداني عامه الثاني، تستمر معاناة السودانيين للنجاة والبحث عن مأوى سواء داخل السودان أو في الدول المجاورة، وبحسب المفوضية، تسببت الحرب في نزوح 10 ملايين سوداني داخل البلاد، بالإضافة إلى لجوء مليونين للدول المجاورة.
ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، تجاوزعدد الوافدين السودانيين إلى دول الجوار 730 ألف شخص في تشاد، وأكثر من 629 ألف في جنوب السودان، وحوالي نصف مليون في مصر و119 ألف في إثيوبيا، ونحو 29 ألف في جمهورية أفريقيا الوسطى، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
وكانت قد طالبت مفوضية اللاجئين في أيار/مايو الماضي، بتكثيف وتسريع عمليات التبرع وتقديم المساعدات للمنظمات الإنسانية العاملة في السودان والدول المجاورة، مستنكرة حقيقة أنها لم تجمع سوى 16% من المبلغ الذي طالبت به (2,7 مليار دولار) لمواجهة المجاعة والأزمة الإنسانية المترتبة على الصراع السوداني.
وعلى الجانب الليبي، وبالخصوص في مدينة الكفرة، وهي واحة يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة وتقع في قلب الصحراء الليبية الجنوبية الشرقية، يستمر تدفق اللاجئين السودانيين الفارين من الحرب، حيث وصل عددهم إلى ما بين 40 ألفاً و50 ألفاً، موزعين على 51 منطقة، وفقاً لما صرح به رئيس لجنة الطوارئ لـ “وكالة نوفا” إسماعيل العطية، موضحاً أن حكومة شرق ليبيا (غير المعترف بها من قبل المجتمع الدولي) تتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومع اليونيسيف والمنظمة الدولية للهجرة لتقديم المساعدة لهؤلاء النازحين.
وشرح المسؤول الليبي أنه تم إصدار بين 19 إلى 22 ألف بطاقة صحية بعد الفحوصات الطبية التي تم إجراؤها، و”كشفت الاختبارات أن العديد من السودانيين يحملون أمراضا معدية”.
وأضاف عطية أنه مع اشتداد القتال في السودان، “يتزايد تدفق النازحين، وهناك قلق بشأن احتمال انتشار الأمراض المعدية مثل شلل الأطفال، الذي تم القضاء عليه في ليبيا في التسعينيات”.
أما في مصر، رصدت منظمة العفو الدولية “أمنيستي” حالات اعتقال للاجئين سودانيين، قبل ترحيلهم بشكل غير قانوني إلى السودان على الرغم من الصراع الدائر هناك، وذلك في غياب كامل لأي ضمان لحقوقهم أو لإمكانية طلبهم للجوء. ولخصت المنظمة هذه الحالات في تقرير نشرته بعنوان “مكبلو الأيدي مثل المجرمين الخطرين: الاعتقال التعسفي والإعادة القسرية للاجئين السودانيين في مصر”.
واعتبرت المنظمة عمليات الترحيل هذه انتهاك صارخ للقانون الدولي، مشيرة إلى وجود أدلة على أن آلاف اللاجئين السودانيين تعرضوا للاعتقال التعسفي ثم طردوا بشكل جماعي. ويستند التقرير على تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حول ترحيل 3000 شخص من مصر إلى السودان في أيلول/سبتمبر 2023.
وفي حزيران/يونيو الماضي، رصدت وسائل إعلام ومنظمات حقوقية مصرية وفاة نحو 50 سودانيا خلال عدة أيام، أثناء محاولتهم عبور الحدود بين السودان ومصر بشكل غير قانوني. ووفقاً لهذه المصادر، من بين الضحايا نساء وأطفال وكبار سن، فقدوا حياتهم بسبب “ضربات الشمس والجفاف والعطش”، لا سيما وأن الحرارة في محافظة أسوان جنوب مصر وصلت يوم الجمعة الماضي إلى 49.8 درجة مئوية في الظل، مسجلة أعلى درجة حرارة في العالم ذلك اليوم، وأعلى درجة حرارة في المنطقة منذ 18 عاماً.
ومن جانبها، شددت “منصة اللاجئين في مصر” على تعرض الكثير من الناجين من النزاع المسلح في السودان، إلى عمليات اعتقال على الحدود السوادنية المصرية، ويُزج بهم في سجون سرية يتبع أغلبها للجيش المصري، ولا سلطة للجهات القضائية المدنية عليها. واستشهدت بالمبدأ التوجيهي الرابع بشأن حقوق الإنسان على الحدود الدولية، للإشارة إلى أنه يجب على سلطات الحدود المكلفة بالإنقاذ “تحديد الأشخاص المعرضين لخطر الوفاة الوشيك، والمهاجرين المحتمل تعرضهم بشكل خاص للخطر على الحدود الدولية على الفور وتقديم المساعدة الملائمة لهم”.
منظمة العفو الدولية أكدت أن صور المعتقلين السودانيين التي حصلت عليها، التقطت في معسكر للجيش المصري يبعد 45 كلم عن الحدود مع السودان. المصدر: منظمة العفو الدولية
وكانت مصر قد أدرجت عدة إجراءات إدارية جديدة بعد اندلاع الحرب السودانية، من بينها تأشيرة مسبقة للأجانب المقيمين من جميع الفئات، مقابل ألف دولار، لكن الحصول عليها “شبه مستحيل”، بحسب الناشطة السودانية في مجال حقوق النساء والطفل، إيمان حمد النيل، التي تقول إن انتظار الموافقة على التأشيرة في أماكن وجود مقر القنصلية المصرية بالسودان يستمر أشهر، لذلك يلجأ السودانيون الميسورون لاستخراج التأشيرة عبر وسطاء، بمقابل يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف دولار، أو عبور الحدود البرية بشكل غير قانوني.